کد مطلب:309795 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:269

القسمت 32


بدا «أبوعائشة» متردّداً یقدم و یحجم.. كرجل تاهت به السبل.. یزن الاُمور بوقار تاجر قدیم، قال فی نفسه: لیقنع بنوهاشم بالنبوة ولیدعوا الخلافة لبطون قریش ولكن ماذا یفعل و وصایا النبی فی الصدور وفی القلوب.

أبوبكر غارق فی تأمّلاته.. وكان صاحبه یختلس الیه النظرات... نظرات مصممة قویّة ثاقبة لایعرفها سوی «الجراح».. وبدا أبوحفص فی تلك اللحظات قویاً كالعاصفة جباراً كالسیل وقد اشتعلت فی أعماقه كلمات قالها یهودی ذات یوم:

- أنت ملك العرب.

كان عمر غارقاً فی هواجسه عندما وصل «عویم» و «معن».

هتف «أبوحفص»:

- ماذا؟!!


لم یكن هناك وقت.. فالفرص تمر مر السحاب وانطلق ثلاثة رجال.. لو رأیتهم من بعید لأدركت أیة طامة وقعت لهم أو علیهم... كانوا یسرعون الخطی.. والرسول ما یزال مسجی.. فی فراشة... یتحدث بلغة الصمت.. لغة عجیبة لاتفهمها سوی اُذنٌ واعیة...

رجال من الأوس و رجال من الخزرج یأتمرون قد أوجسوا خیفة.. ورجال من قریش یحثون الخطی إلی سقیفة لبنی ساعده و النبی یدعوهم بلغة الصمت..

«الغنائم» تلوح من بعید شهیة یسیل لها اللعاب و قد ترك «الرماة» مواقعهم.. فی «عینین» و الرسول یدعوهم.

اقتحم الثلاثة «السقیفة»، وبدت الوجوه مخطوفة اللون شاحبة قد عراها اصفرار. لقد انتقض الغزل و هو فی أیدیهم.. كان أبوحفص علی و شك أن یثور لولا أبوبكر:

مهلاً یا عمر: الرفق هنا أبلغ.

و توجه أبوبكر إلی الأوس و الخزرج بكلمات هادئة:

- یا معشر الأنصار من ینكر فضلكم فی الدین و سابقتكم العظیمة فی الإسلام؟.. و اللَّه رضیكم لدینه و رسوله أنصاراً وانتخبكم محلّاً لهجرته و فیكم جل أزواجه و أصحابه..

ثم أردف و هو یرمی سهماً فی الهدف.


- نحنُ الاُمراء و أنتم الوزراء.

اعترض «الحبّاب» و قد أخفق فی إخفاء وهنه:

- بل منا أمیر و منكم أمیر.

انتفض عمر لیشدّد الهجوم:

- هیهات لا یجتمع اثنان فی قرن.. واللَّه لا ترضی العرب أن یؤمروكم ونبیّها من غیركم ولكن العرب لاتمتنع ان تولّی أمرها من كانت النبوة فیهم و ولی اُمورهم منهم ولنا بذلك علی من أبی من العرب الحجة الظاهرة و البرهان المبین..

وأردف و قد أخذه حماس المنتصر:

- من ذا ینازعنا سلطان محمد و امارته و نحن أولیاؤه و عشیرته الّا مبطل أو متجانف لإثم أو متورّط فی هلكة.

رد الحباب بغضب:

- املكوا أمركم یا معشر الأنصار و لا تسمعوا مقالة هذا فیذهبوا بنصیبكم من هذا الأمر.. فان أبوا فاجلوهم عن البلاد.. إنا أحق بالأمر

منهم، بأسیافنا دان العرب لهذا الدین..

وأخذته فورة حماس فراح یطلق التهدیدات حمماً:

- أنا شبل فی عرینة الأسد... و اللَّه لا یرد علی ما أقول إلَّا حطمت أنفه بالسیف.


انبری عمر لامتصاص العاصفة بمرونة متكلفه:

- اذن یقتلك اللَّه.

- بل إیّاك یقتل.

و نهض رجل من الخزرج و قد رفع رایة بیضاء:

- إنّا أول من نصر اللَّه و رسوله و جاهدنا المشركین لانبتغی من الدنیا عرضا... ألا و ان محمداً من قریش و قومه أولی به وأحقّ.. فاتقوا اللَّه یا معشر الأنصار و لا تخالفوهم.. و لا تنازعوهم.

تنفّس عمر بارتیاح و هو یراقب تهاوی القلاع..

هتف الحباب مخذولاً:

- حسدت ابن عمّك!!

- لا واللَّه.. ولكن كرهتُ ان أُنازع قوماً حقّاً جعله اللَّه لهم.

و انبری أبوبكر لاقتطاف أولی الثمار. أشار إلی عمر و أبی عبیدة و قال:

- قد رضیت لكم أحد هذین الرجلین فایُّهما شئتم فبایعوا.

و بطریقة لم تبد عفویة هب عمر مستنكراً:

- معاذ اللَّه.. أنت أفضل المهاجرین.. ابسط یدك.

بسط «أبوبكر» یده و قد سقطت التفاحة فی قبضته؛ و نهض رجل من الخزرج فبایع.. و رجل من الأوس.. و تهاوت القلاع و الحصون..


وتمت أول «فلتة» فی تاریخ الإسلام.

بدا «الحباب» متشنجاً كمن أصابه مس من الجنون فالتفت الیه أبوبكر مداریاً:

- أتخاف منی یا حباب؟

- لیس منك ولكن ممن یجی ء بعدك.

- اذا كان ذلك كذلك فالأمر الیك و إلی أصحابك لیس لنا علیكم طاعة.

- هیهات یا أبابكر اذا ذهبت أنا و أنت جاءنا من بعدك من یسومنا الضیم.

و قال أبوعبیدة بلین:

- یا معشر الأنصار أنتم أولی فضل ولكن لیس فیكم مثل أبی بكر و عمر و علی.

أجاب زید و قد هزه اسم علی:

- إنّا لا ننكر فضل من ذكرت و ان منّا سیّد الأنصار سعد بن عبادة و إمام العلماء سعد بن معاذ و ذوالشهادتین خزیمة... و ان بین من ذكرت من قریش لو طلب الخلافة لا ینازعه أحد.

- مَن؟!!

- علی بن أبی طالب... واللَّه ما اجتمع الأنصار فی السقیفة إلّا بعد شمّوا رائحة غدر دبّر بلیل.